"رحلة إلى الجحيم"
هذه القصة عبارة عن مغامرة قام بها أربعة شبان إفريقيين حاولوا الذهاب إلى أوروبا بطريقة غير شرعية. رواها أحدهم:
كان يوم سبت وكانت الساعة تشير إلى الثانية صباحا بتوقيت ليبيريا، الظلام حالك ، البرد قارس ، الرياح هوجاء ، الأمطار غزيرة؛ و نحن في سيارة لا تكاد تمشي ، متجهين نحو غينيا لذهاب من هناك إلى مالي ثم موريتانيا و المغرب فإسبانيا. وصلت الساعة الحادية عشر صباحا و نحن على مقروبة من الحدود الغينية، فتوقفنا أمام محطة للبنزين و ملأنا الخزان بالوقود لننطلق مجددا، فأوقفنا شرطي كان بجانب المحطة و قد شك في أمرنا لكنه لم يستطع الإيقاع بنا، فواصلنا سيرنا، إلا أن وصلنا بماكو في الواحدة صباحا من اليوم التالي، فأكلنا بعض الأكل لنملأ بطننا و قضينا الليلة في أحد الفنادق البسيطة ببماكو، وفي الصباح واصلنا سيرنا نحو نواكشوط فعندما دخلنا التراب الموريتاني كان الجو حار، و التعب نال منا، فقضينا الليلة في أحد الفنادق المتواضعة الموريتانية ، و في صباح اليوم الثالث من رحلتنا و على الساعة السابعة صباحا نهضنا من فراشنا، وتناولنا فطورنا ، ثم ركبنا السيارة لننطلق مجددا نحو المغرب ، فاستغرقنا للوصول إلى "الصويرة"- إحدى المدن المغربية- أربع عشر ساعة فبقينا فيها مدة نصف يوم لنرتاح و نقضي حاجياتنا من مأكل و مشرب ، وفي صباح يوم الأربعاء واصلنا سيرنا نحو طنجة ، فوصلناها على الساعة الخامسة زوالا، ثم اتفقنا مع أحد الرجال المغربيين أن نركب زورقه، و يوصلنا إلى إسبانيا مقابل خمسمائة دولار للشخص الواحد.
و في يوم الخميس و على الساعة التاسعة ليلا ركبنا الزورق متجهين نحو إسبانيا ، فظننا في بداية الأمر أننا سنذهب وحدنا نحن الأربعة فقط ، أما عندما ركبنا الزورق كان عدد كبير من الشبان أيضا يودون السفر مثلنا ، فانطلقنا وكم مللنا من تلك المياه التي بللت ثيابنا، مرت ساعات و ساعات ونحن لا نزال في البحر، فتارة نتوقف ليتفقد المغربي محرك الزورق ، و تارة أخرى يعطينا بعض النصائح التي ربما تقينا من الوقوع في أيدي الشرطة الإسبانية ، مرت ثلاث ساعات ولم أستطع التغلب على نفسي من طول انتظار، فذهبت إليه و سألته: كم بقي لنا من الزمن للوصول إلى إسبانيا؟ فأجابني مبتسما : أقل من ساعتين. فعدت أدراجي ثم جلست على إحدى الكراسي لآخذ قسطا من الراحة، ثم استسلمت للنوم وفجأة سمعت المغربي ينادي: هيا... هيا... قد وصلنا شواطئ إسبانيا . فأفقت من نومي مفزوعا ، فوجدت صديقي بجانبي يقول : ابتهج.. ابتهج.. فنحن وصلنا إسبانيا . فأنزلنا المغربي بالقرب من إحدى الشواطئ الإسبانية وهو يردد : حظا موفقا في بلاد الجحيم . فقلت له : ماذا تقصد بقولك في بلاد الجحيم؟ فقال لي : إذا أردت ألا تعاني فعد إلى وطنك وإذا أردت البقاء فعاني كما يعاني العصفور في قفص صاحبه . فلم أأبه إلى قوله ثم مضيت في طريقي باتجاه الشاطئ ثم البحث عن مأوى أقضي فيه ليلتي ، فوجدت بعض الجلود متناثرة فجمعتها لأنام عليها ثم خلدت للنوم ، وفي صباح الجمعة و على الساعة الثامنة صباحا أفقت من نومي و أنا آمل في العثور على عمل ، فزرت المقاهي والمطاعم و الفنادق لكن دون جدوى ، مرت أيام و أيام و أنا بدون عمل ونفذ مالي ، وبعد عشرة أيام و أنا بدون عمل عثرت على واحد في ميناء للصيد البحري ، فقدمت نفسي على صاحب العمل رغبة مني أن أجد عمل ، فقال لي : هناك عمل وهو أن تقوم بحمل صناديق السمك من الزورق إلى الشاحنات مقابل خمسة أورو يوميا من الصباح إلى المساء ، ولكن بشرط . قلت: ما هو؟ قال: إن أصابك مكروه في العمل فأنا لا أتحمل مسؤوليته و لا أتحمل نفقات علاجك. فقبلت بالعمل و باشرت به اليوم الموالي ، فكنت أتعب كثيرا، فتلك خمسة أورو كانت لا تساوي شيئا مع التعب الذي كنت أتعبه ، فذات يوم ذهبت إلى إحدى المتاجر و اشتريت بعض الأكل ، فرأيت صاحب المتجر ينظر إلي بنظرة تملأها الحقد و الكراهية وهو يراقبني إن كنت سأسرق بضاعته أم لا ، فأعطيته النقود ثم سألته : ما بك تنظر إلي هكذا هل ذات مرة سببت لك مكروه؟ قال : لا.. اذهب.. اذهب، ثم تمتم بعبارات لم أفهم معناها ، فأدركت أن العنصرية هنا تملأ قلوب الأسبان اتجاه الأفارقة خصوصا ذوي البشرة السمراء . فكم من مرة وقعت بين أيدي الشرطة الإسبانية ثم هربت ،كنت أنام في خوف و هلع و أستيقظ على كذلك أيضا ، و كل يوم يمر علي تزداد في نفسي مرارة الغربة ، و اشتقت إلى وطني و حنين بلادي و أهلي و أصدقائي ، و تذكرت قول ذلك المغربي الذي كان محقا في قوله، و كثيرا ما اعتقلتني الشرطة وذلتني و أهانتني بعبارات يعجز اللسان عن نطقها ناهيك عن الضرب المبرح الذي كنت آخذه ، فكم كان المشهد مفزعا و مروعا ، فندمت كثيرا من جراء مغامرتي هذه ، و تمنيت العودة إلى وطني وتذكرت قول الشاعر العربي الذي أخبرني به أحد أصدقائي العرب الذي كان يعمل معي في الميناء :
بلادي و إن جارت علي عزيزة و أهلي و إن ضنوا علي كرام
فذهبت إلى القنصلية الليبيرية المتواجدة في إسبانيا ، و أخبرتهم بكل شيء ، و طلبت منهم العودة إلى بلادي ، و كان لي ذلك بعد قضائي أكثر من ستة أشهر من العذاب المتواصل في ديار الغربة ، فلقد شعرت براحة وفرحة عندما وطئت قدماي تراب ليبيريا ، وشكرت الله عند وصولي إلى منزلي بمنروفيا.