بما أن اللغة وسيلة من وسائل التعبير عن الأحوال الحضارية السائدة وانعكاس لها. لذا فإن العالم العربي يعيش وضعاً معرفياً فريداً، صاحبه وفرة وتضخم في إعداد المصطلحات التي استحدثت في اللغات الغربية بهدف التعبير عن مفاهيم مستجدة في حقول المعرفة المختلفة من علوم طبيعية وعلوم اجتماعية ومنها علم اللسانيات الحديث والمجالات التطبيقية لهذا العلم ومنها تدريس وتعلم اللغة الثانية، وهو موضوع هذا الكتاب المترجم الذي نحن بصدده. إلا أن تحرك اللغة العربية في هذا الميدان، شأنه في ذلك شأن الميادين الثقافية والعلمية الأخرى، اتسم بالبطء الذي لا يتيح مواكبة التطور العلمي. حيث لم يوفق اللسانيون (اللغويون) العرب في تلافي حدوث تراكم في المصطلحات التي يتعين نقلها من اللغات الأخرى (وبصورة خاصة من الإنجليزية) ولم ترق الجهود الفردية المتفرقة للأخوة الباحثين العرب إلى مستوى مسايرة الجهود العالمية المبذولة في العلوم اللسانية المتشعبة وهضمها، وكلازمة لذلك تطوير اللغة العربية في جانب معجمها وجعلها تواكب ركب الحضارة والعلم الإنسانيين.
ومما لا شك فيه أن الترجمة عملية حاسمة ومؤثرة للغاية في قضية العبور الحضاري لأن تعريب الثقافة العلمية هو في نفس الوقت تعريب للمثقف من أهل الاختصاص، وأن تقوية الطاقة التعبيرية للغة ملازم للزيادة في القدرة التعبيرية لمتكلمي اللغة ومستعمليها، علاوة على أنه مرتبط بقدرة الإنسان العربي على الحضور في مجالات الثقافة والعلوم والاكتشافات التقنية والإبداع في العلوم والفنون.
والمعجم اللساني (اللغوي) العربي شأنه شأن المعاجم العربية الأخرى يفتقر إلى الترجمة والتعريب لإدخال مصطلحات كثيرة من المدارس اللسانية الحديثة أو بعض الفروع داخل المدرسة الواحدة. ومع وجود بعض المصطلحات المعربة إلا أن معظمها يتسم بطابع العفوية الذي لا يقترن بمبادئ منهجية دقيقة ولا الاهتمام بالأبعاد النظرية للمصطلحات مما أدى إلى الاضطراب والفوضى في وضع المصطلحات وعدم تناسق المقابلات المقترحة للمفردات الأجنبية وتعدد الألفاظ للمفهوم الواحد فمثلاً مصطلح dicourse نجده يترجم إلى العربية بحديث وقول وخطاب وكلام. ومصطلح Sign يترجم إلى دليل، إشارة، علامة، رمز .. الخ. أضف إلى ذلك تعدد الألفاظ للمفهوم الواحد أو مفاهيم متشابهة في الحقل مثل Phonic , Variant , Phone , Sound ، ونتيجة لوجود المفاهيم المتشابهة نجد أن كثيراً من الترجمات العربية لا تراعى الحقل الدلالي للألفاظ وكذلك السياق الذي يرد فيه اللفظ.
ولذا يصعب الانتقال من لغة أجنبية إلى اللغة العربية باستخدام الرصيد المصطلحي الداخلي العربي، فتعريب الثقافة اللسانية الغربية يقتضي اللجوء إلى ما يسمى بالمصطلح الخارجي وهو مصطلح يصاغ ويبني بجانب المصطلح الداخلي بناءً على مقولات فكرية داخلة حتى نستطيع التعبير بألفاظ عربية عما يعبر عنه بألفاظ أجنبية. ومثل هذا العمل لا يتأتى إلا إذا طوعت اللغة في معناها ومبناها لاحتضان مقابلات الصيغ والمفاهيم الواردة. ومن الواضح أن وضع هذا المصطلح المعرب يطرح عدة مشاكل نظرية إضافة إلى المشاكل المنهجية. لأنه يفضي بنا إلى إدخال مصطلح غريب ومفاهيم مجسدة في ألفاظ لغات أخرى في محيطنا الثقافي. فيحدث من هذا الوضع ضوضاء نتيجة للتصادم والصراع بين هذه المصطلحات والمفاهيم الداخلة والمحيط اللغوي الجديد نظراً للجذور الثقافية المختلفة للمصطلح الجديد. إضافة إلى أن كل لفظ في اللغة له مساحة لا يمكن أن تتطابق مع مساحة لفظ آخر في داخل اللغة نفسها، ناهيك عن تطابقها بين لغات مختلفة، هذه الضوضاء هي ضوضاء في دالة الألفاظ والمعاني.
عوداً إلى كتاب النظرية التكاملية في تدريس اللغات ونتائجها العملية تأليف هكتر هامرلي، ترجمة الدكتور راشد بن عبد الرحمن الدويش، 1415هـ - مطبعة سفير. لقد قام المترجم مشكوراً بنقل المعنى المفهومي بقدر ما تسمح به المصطلحات اللسانية في اللغة العربية مما أفضى بالنص العربي إلى بقائه كنص مترجم بعيداً عن محيطه الثقافي الجديد حيث يلحظ القارئ الضوضاء والصراع الناشئ بين هذه المفاهيم الداخلة وعلاقاتها بالمفردات الموجودة نظراً لاختلاف الحقول الدلالية بين اللغة العربية واللغة الإنجليزية وما يقابلها من ألفاظ دالة على تلك الحقول.
إن حرص المترجم في الحفاظ على المعنى أودى به في كثير من الحالات إلى إبقاء النص العربي حبيس لتراكيب النص الإنجليزي، الأمر الذي يجعل القارئ يشعر بأنه أمام نص مترجم، نظراً لاختلاف اللغتين من الناحية التركيبية والصرفية وقد نجد بعض العذر للمترجم حيث أن النص ليس أدبياً يمكن معه التصرف والترجمة الحرة ولكن كان يحدونا الأمل أن يكون الشكل اللغوي أكثر سلاسة فيما يتعلق بربط الجمل بعضها ببعض حتى يبدو النص وحدة واحدة متماسكة.
أما الكتاب الذي بين أيدينا فله إضافة إلى الفكر اللساني التطبيقي بشموليته فيما يتعلق بتدريس وتعلم اللغة الثانية حيث جمع بين دفتيه معظم رموز المعرفة الأساسية التي يحتاجها الباحث في مجال تدريس اللغة الثانية. فقد تطرق الكتاب إلى إعطاء صورة موجزة عن بناء النظريات العلمية كتوطئة لمناقشة النظريات اللسانية والنفسية التي على أساسها بنيت طرق تدريس اللغة الثانية. بعد ذلك قدم المؤلف مسحاً شاملاً لأهم نظريات وطرق تدريس اللغة الثانية، موضحاً مزايا كل طريقة ومبيناً ما لكل منهما من مآخذ وقصور. كنظرية كراشن في اكتساب اللغة الثانية وهذه من النظريات التي حظيت بنصيب كبير من الإطراء والقدح. أيضاً ناقش المؤلف ما سماه المترجم مذهب الانغماس بتوسع وما يترتب عليه من تطبيقات نظرية وعملية. بعد ذلك قام المؤلف بتقديم نظريته والتي أسماها نظرية تكاملية في تدريس اللغات ونتائجها العملية وذلك من خلال تعريفات عامة ومسلمات وقوانين وأصول وفرضيات استقاها من علم اللسانيات ومن علم النفس ومن نظريات التدريس ومن مصادر أخرى. ثم وضح المؤلف ما يترتب على استخدام هذه النظرية من تطبيقات نظرية وعملية واختتم كتابه بتنبؤات حول سير البحث في تدريس اللغة الثانية واتجاهاته.